المرجع اليعقوبي: القيام الفاطمي نصرة لله تعالى

 

المرجع اليعقوبي: القيام الفاطمي نصرة لله تعالى

ألقى سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خطابه السنوي في الآلاف من الزوار الوافدين الى النجف الأشرف لتقديم العزاء لأمير المؤمنين (عليه السلام) بذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

في ضوء الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) (الصف: 14) والتي انطوت على الدعوة لجميع المؤمنين من الله تبارك وتعالى بان ينصروا الله تبارك وتعالى بأن يكونوا انصاراً لرسول الله (ص) في نشر الإسلام والدفاع عنه .. وكيف كانت هذه الدعوة سبباً لتشريف الانسان ورفعته بأن يكون محلاً لعناية الله جبار السماوات والارض مالك الملك وان يشمل بدعوته لنصرته جل وعلا.

حيث ذكّرهم الله تعالى بدعوة المسيح عيسى (عليه السلام) للحواريين بأن ينصروه في دعوته الى الله تبارك وتعالى.

واستشهد سماحته (دام ظله) بالعهد الذي اخذه رسول الله (ص) من الأنصار في بيعة العقبة.. وكذا في بيعة الشجرة.

مؤكداً على ضرورة ان يكون لكل صاحب مشروع أنصار ومؤيدون يعينونه على إقامة النهج الإلهي في الأرض.. وهو الامر الذي يتطلبه أدامة وتنظيم العمل الرسالي، وتمكين النخبة من قيادة الامة وإدارة جميع شؤون حياتها وعدم إحداث فراغ في حياتها، وحينئذٍ ستلتف الامة حولهم لما تراه من الخير والصلاح والسعادة، وتنفرز الجماعة المؤمنة عن الفاسدة، وحينئذٍ يتحقق نصر الله والفتح بلطفه جل وعلا…

ويوضح سماحته (دام ظله) بأن هذه النصرة غير محددة بزمانٍ دون آخر لعمومية الخطاب، فهي دعوة منه جل وعلا للمؤمنين بالنبي (ص) وحملة رسالته في جميع الأزمنة والعصور للتأكيد على هذه النصرة والاستمرار عليها والتواصي بها.. لاستنهاض هممهم وشحذ عزيمتهم وهي مشروطة بأن تكون خالصة في سبيل الله تعالى وأعزاز دينه.. اذ لا قيمة لأي نصرة على أساس التعصب للعشيرة أو الحزب أو شخصٍ معين أو أي عنوان آخر.

وفي ذات السياق يذكر سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) عدة مصاديق للميادين التي يمكن ان تتجلى فيها هذه النصرة.. وهي:

1- النفس وهي الساحة الأولى والأهم لنصرة الله تعالى قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (المائدة: 105) وحكي عن أمير المؤمنين (ع) قوله (ميدانكم الأول أنفسكم فحاسبوها قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توازنوا، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر) وهذا المعنى مكرَّر كثيراً في كلمات المعصومين (ع) حتى أصبح متواتراً كقول علي (ع) (سياسة النفس أفضل سياسة)[1].

وتتحقق النصرة بتهذيب النفس الأمارة بالسوء وكبح جماح شهواتها والسيطرة على غرائزها وتنقيتها من أغلال الأنانية والحقد والتعصب والحسد وحب الدنيا وسائر الرذائل، وتزيينها بالفضائل وطلب العلوم النافعة والتفقه في الدين والعمل به.

2- الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى وتحبيبه إلى الناس بذكرِ عظيمِ رحمته وكرمه ودحض الإلحاد والشرك بالحجج والبينات، وقد أتاح الله تعالى لنا اليوم أعظم الوسائل للدعوة والتبليغ والنشر من خلال التقنيات المعاصرة فنستطيع أن نوصل صوت الإيمان إلى ملايين البشر من خلال المنصات الإلكترونية الفاعلة والجاذبة والمؤثرة.

3- نصرة حجج الله تعالى على خلقه وهم النبي (ص) وآله المعصومون (ع) وتعظيمهم ومودتهم ونشر سيرتهم العطرة والاستفادة منها والدفاع عن حقهم وإظهار مظلوميتهم.

4- الالتفاف حول العلماء العاملين المخلصين لربهم ودينهم وأمتهم فإنهم ورثة الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وحملة رسالتهم المباركة.

5- نصرة دين الله تعالى بنشره وتعريف الناس به وتحبيبه إلى الناس وتثبيت قلوب المؤمنين ورد الشبهات ووأد الفتن والعمل على هداية الناس وإرشادهم إلى الحق وتعليمهم الأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة ولتحقيق العدالة الاجتماعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أداء هذه الفريضة الإلهية أعظم نصرة لله تعالى.

6- السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وتحريره من أغلال العبودية والظلم والانحراف ونصرة المستضعفين والمحرومين قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ثم قال تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25]

7- إقامة شعائر الله تعالى والحث عليها والمساهمة فيها بما يتيسر، وإعمار المساجد وتفعيل دور المسجد والقرآن في حياة الأمة وفق البرامج التي ذكرناها في خطابات سابقة.

8- الانضمام إلى الأنشطة الاجتماعية المثمرة كالأعمال الخيرية والخدمية والتنموية والتوعوية والعلمية والثقافية ورعاية المواهب والكفاءات وإيجاد فرص العمل وقضاء حوائج الناس وتزويج المتعففين.

 

ثم تطرق سماحته الى أهمية القيام الفاطمي الذي أصبح علامة فارقة في التاريخ الإسلامي وفرقاناً بين طريق الحق والطرق الأخرى وميزاناً تتميز من خلاله سلامة الدين وصحة العقيدة فقد تعززت ببركة ذلك القيام المبارك مسيرة نصرة الدين وإقامة أحكامه ورفع الظلم والفساد والانحراف.. الى ان أصبح مناراً يهتدي به المؤمنون الصادقون.

ودعا سماحته المؤمنين الى الالتحاق بهذا الركب المبارك وعدم أدخار أي جهدٍ عن نصرة الدين وأهله في مختلف المجالات والميادين.

وفي نهاية خطابه بشّر سماحته المؤمنين بحديثٍ عن الامام الصادق (ع) بأن جهودهم في سبيل نصرة الدين وتعظيم الشعائر الإلهية بعين الله تعالى وأولياءه العظام مدخّرة ومحفوظة لهم.. وفي ذات السياق حذّر سماحته من التقاعس والتخاذل عن نصرة الدين وإقامة الحق لان سنة الاستبدال ستسري عليهم ويخسرون خساراً مبيناً.

 

 

 

 

 

 

 

[1] – غرر الحكم: 558

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.